شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر بعض أحوال العارفين والأولياء

صفحة 81 - الجزء 11

  ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل قوله # يصونون مصونه أي يكتمون من العلم الذي استحفظوه ما يجب أن يكتم ويفجرون عيونه يظهرون منه ما ينبغي إظهاره وذلك أنه ليس ينبغي إظهار كل ما استودع العارف من الأسرار وأهل هذا الفن يزعمون أن قوما منهم عجزوا عن أن يحملوا بما حملوه فباحوا به فهلكوا منهم الحسين بن منصور الحلاج ولأبي الفتوح الجارودي المتأخر أتباع يعتقدون فيه مثل ذلك.

  والولاية بفتح الواو المحبة والنصرة ومعنى يتواصلون بالولاية يتواصلون وهم أولياء ومثله ويتلاقون بالمحبة كما تقول خرجت بسلاحي أي خرجت وأنا متسلح فيكون موضع الجار والمجرور نصبا بالحال أو يكون المعنى أدق وألطف من هذا وهو أن يتواصلوا بالولاية أي بالقلوب لا بالأجسام كما تقول أنا أراك بقلبي وأزورك بخاطري وأواصلك بضميري.

  قوله ويتساقون بكأس روية أي بكأس المعرفة والأنس بالله يأخذ بعضهم عن بعض العلوم والأسرار فكأنهم شرب يتساقون بكأس من الخمر.

  قال ويصدرون برية يقال من أين ريتكم مفتوحة الراء أي من أين ترتوون الماء.

  قال لا تشوبهم الريبة أي لا تخالطهم الظنة والتهمة ولا تسرع فيهم الغيبة لأن أسرارهم مشغولة بالحق عن الخلق.

  قال على ذلك عقد خلقهم وأخلاقهم الضمير في عقد يرجع إلى الله تعالى أي على هذه الصفات والطبائع عقد الخالق تعالى خلقتهم وخلقهم أي هم متهيئون لما صاروا إليه

  كما قال # إذا أرادك لأمر هيأك له