شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أهل العراق وخطب الحجاج فيهم

صفحة 346 - الجزء 1

  ومن خطبة له في هذا المعنى وقد أراد الحج: يا أهل الكوفة إني أريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمدا وأوصيته بخلاف وصية رسول الله ÷ في الأنصار فإنه أمر أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وإني قد أوصيته ألا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم ألا، وإنكم ستقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة ألا وإني معجل لكم الجواب لا أحسن الله لكم الخلافة.

  ومن خطبة له في هذا المعنى، يا أهل الكوفة، إن الفتنة تلقح بالنجوى، وتنتج بالشكوى، وتحصد بالسيف، أما والله إن أبغضتموني لا تضروني، وإن أحببتموني لا تنفعوني، وما أنا بالمستوحش لعداوتكم، ولا المستريح إلى مودتكم، زعمتم أني ساحر، وقد قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ}⁣[طه: ٦٩]، وقد أفلحت وزعمتم أني أعلم الاسم الأكبر، فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون.

  ثم التفت إلى أهل الشام، فقال لأزواجكم أطيب من المسك ولأبناؤكم آنس بالقلب من الولد، وما أنتم إلا كما قال أخو ذبيان:

  إذا حاولت في أسد فجورا ... فإني لست منك ولست مني

  هم درعي التي استلأمت فيها ... إلى يوم النسار وهم مجني