شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

و ينبغي أن يكون الدعاء بعد المعرفة

صفحة 230 - الجزء 11

و ينبغي أن يكون الدعاء بعد المعرفة

  قيل لجعفر بن محمد الصادق # ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا قال لأنكم تدعون من لا تعرفونه.

  كان صالح المري يقول كثيرا ادعوا فمن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له فقالت له رابعة العدوية ما ذا تقول أغلق هذا الباب حتى يستفتح فقال صالح شيخ جهل وامرأة علمت.

  وقيل فائدة الدعاء إظهار الفاقة من الخلق وإلا فالرب يفعل ما يشاء.

  وقيل دعاء العامة بالأقوال ودعاء العابد بالأفعال ودعاء العارف بالأحوال.

  وقيل خير الدعاء ما هيجه الأحزان والوجد.

  وقيل أقرب الدعاء إلى الإجابة دعاء الاضطرار لقوله تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}⁣[النمل: ٦٢].

  قال أصحاب هذه الطريقة ألسنة المبتدءين أرباب الإرادة منطلقة بالدعاء وألسنة المحققين الواصلين قد خرست عن ذلك.

  وكان عبد الله بن المبارك يقول ما دعوته منذ خمسين سنة ولا أريد أن يدعو لي أحد.

  وقيل الدعاء سلم المذنبين.

  وقال من قال بنقيض هذا الدعاء مراسلة وما دامت المراسلة باقية فالأمر جميل بعد.

  وقالوا ألسنة المذنبين دموعهم.

  وكان أبو علي الدقاق يقول إذا بكى المذنب فقد راسل الله.

  وفي معناه أنشدوا:

  دموع الفتى عما يجن تترجم ... وأنفاسه تبدين ما القلب يكتم