شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

و ينبغي أن يكون الدعاء بعد المعرفة

صفحة 231 - الجزء 11

  وقال بعضهم لبعض العارفين ادع لي فقال كفاك من الإجابة ألا تجعل بينك وبينه واسطة.

  ومنها التأسي قال سبحانه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي في مصابه وما نيل منه في نفسه وفي أهله يوم أحد فلا تجزعوا أن أصيب بعضكم.

  وجاء في الحديث المرفوع لا تنظروا إلى من فوقكم وانظروا إلى من دونكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعم الله عليكم.

  وقالت الخنساء ترثى أخاها:

  ولو لا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي

  وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي

  وحقيقة التأسي تهوين المصائب والنوائب على النفس بالنظر إلى ما أصاب أمثالك ومن هو أرفع محلا منك.

  وقد فسر العلماء قوله تعالى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ٣٩}⁣[الزخرف: ٣٩] قال إنه لا يهون على أحد من أهل النار عذابه وإن تأسى بغيره من المعذبين لأن الله تعالى جعل لهم التأسي نافعا في الدنيا ولم يجعله نافعا لأهل النار مبالغة في تعذيبهم ونفيا لراحة تصل إليهم.