شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

خطب عمر الطوال

صفحة 114 - الجزء 12

  فاستيقظ عمر فقال الهرمزان قالوا نعم قال لا أكلمه حتى لا يبقى عليه من حليته شيء فرموا بالحلية وألبسوه ثوبا ضعيفا فقال عمر يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وقد كان صالح المسلمين مرة ثم نكث فقال يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كنا نغلبكم إذ لم يكن الله معكم ولا معنا فلما كان الله معكم غلبتمونا قال فما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة قال أخاف إن قلت أن تقتلني قال لا بأس عليك فأخبرني فاستسقى ماء فأخذه وجعلت يده ترعد قال ما لك قال أخاف أن تقتلني وأنا أشرب قال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده فقال ما بالك أعيدوا عليه الماء ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش قال كيف تقتلني وقد أمنتني قال كذبت قال لم أكذب فقال أنس صدق يا أمير المؤمنين قال ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك قال إنك قلت لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشرب وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس فأقبل على الهرمزان فقال تخدعني والله لا تخدعني إلا أن تسلم فأسلم ففرض له ألفين وأنزله المدينة.

  بعث عمر عمير بن سعيد الأنصاري عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ثم كتب إليه بعد حول إذا أتاك كتابي هذا فأقبل واحمل ما جبيت من مال المسلمين فأخذ عمير جرابه وجعل فيه زاده وقصعته وعلق أداته وأخذ عنزته وأقبل ماشيا من حمص حتى دخل المدينة وقد شحب لونه واغبر وجهه وطال شعره فدخل على عمر فسلم فقال عمر ما شأنك يا عمير قال ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرنيها قال وما معك فظن عمر أنه قد جاء