شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر

صفحة 180 - الجزء 12

  وقالوا والحديث الذي مضمونه لو لم أبعث فيكم لبعث عمر فيلزم أن يكون رسول الله ÷ عذابا على عمر وأذى شديدا له لأنه لو لم يبعث لبعث عمر نبيا ورسولا ولم تعلم رتبة أجل من رتبة الرسالة فالمزيل لعمر عن هذه الرتبة التي ليس وراءها رتبة ينبغي ألا يكون في الأرض أحد أبغض إليه منه.

  قالوا وأما كونه سراج أهل الجنة فيقتضي أنه لو لم يكن تجلى عمر لكانت الجنة مظلمة لا سراج لها.

  قالوا وكيف يجوز أن يقال لو نزل العذاب لم ينج منه إلا عمر والله تعالى يقول {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}⁣[الأنفال: ٣٣].

  قالوا وكيف يجوز أن يقال إن النبي ÷ كان يسمع الباطل ويحبه ويشهده وعمر لا يسمع الباطل ولا يشهده ولا يحبه أليس هذا تنزيها لعمر عما لم ينزه عنه رسول الله ص.

  قالوا ومن العجب أن يكون النبي ÷ أرجح من الأمة يسيرا وكذلك أبو بكر ويكون عمر أرجح منهما كثيرا فإن هذا يقتضي أن يكون فضله أبين وأظهر من فضل أبي بكر ومن فضل رسول الله ص.

  والجواب أنه ليس يجب فيمن كان محدثا ملهما أن يكون محدثا ملهما في كل شيء بل الاعتبار بأكثر أفعاله وظنونه وآرائه ولقد كان عمر كثير التوفيق مصيب الرأي في جمهور أمره ومن تأمل سيرته علم صحة ذلك ولا يقدح في ذلك أن يختلف ظنه في القليل من الأمور.

  وأما الفرار من الزحف فإنه لم يفر إلا متحيزا إلى فئة وقد استثنى الله تعالى ذلك فخرج به عن الإثم.