شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

235 - ومن خطبة له #

صفحة 102 - الجزء 13

  أحدها الإيمان الحقيقي وهو الثابت المستقر في القلوب بالبرهان اليقيني.

  الثاني ما ليس ثابتا بالبرهان اليقيني بل بالدليل الجدلي كإيمان كثير ممن لم يحقق العلوم العقلية ويعتقد ما يعتقده عن أقيسة جدلية لا تبلغ إلى درجة البرهان وقد سمى # هذا القسم باسم مفرد فقال إنه عواري في القلوب والعواري جمع عارية أي هو وإن كان في القلب وفي محل الإيمان الحقيقي إلا أن حكمه حكم العارية في البيت فإنها بعرضة الخروج منه لأنها ليست أصلية كائنة في بيت صاحبها.

  والثالث ما ليس مستندا إلى برهان ولا إلى قياس جدلي بل على سبيل التقليد وحسن الظن بالأسلاف وبمن يحسن ظن الإنسان فيه من عابد أو زاهد أو ذي ورع وقد جعله # عواري بين القلوب والصدور لأنه دون الثاني فلم يجعله حالا في القلب وجعله مع كونه عارية حالا بين القلب والصدر فيكون أضعف مما قبله.

  فإن قلت فما معنى قوله إلى أجل معلوم قلت إنه يرجع إلى القسمين الأخيرين لأن من لا يكون إيمانه ثابتا بالبرهان القطعي قد ينتقل إيمانه إلى أن يصير قطعيا بأن يمعن النظر ويرتب البرهان ترتيبا مخصوصا فينتج له النتيجة اليقينية وقد يصير إيمان المقلد إيمانا جدليا فيرتقي إلى ما فوقه مرتبته وقد يصير إيمان الجدلي إيمانا تقليديا بأن يضعف في نظره ذلك القياس الجدلي ولا يكون عالما بالبرهان فيئول حال إيمانه إلى أن يصير تقليديا فهذا هو فائدة قوله إلى أجل معلوم في هذين القسمين.

  فأما صاحب القسم الأول فلا يمكن أن يكون إيمانه إلى أجل معلوم لأن من ظفر بالبرهان استحال أن ينتقل عن اعتقاده لا صاعدا ولا هابطا أما لا صاعدا فلأنه ليس فوق البرهان مقام آخر وأما لا هابطا فلأن مادة البرهان هي المقدمات البديهية