شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

235 - ومن خطبة له #

صفحة 105 - الجزء 13

  ورابعها قوله # إن أمرنا هذا صعب مستصعب ويروى مستصعب بكسر العين لا يحتمله إلا عبد امتحن الله تعالى قلبه للإيمان هذه من ألفاظ القرآن العزيز قال الله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}⁣[الحجرات: ٣] وهو من قولك امتحن فلان لأمر كذا وجرب ودرب للنهوض به فهو مضطلع به غير وان عنه والمعنى أنهم صبر على التقوى أقوياء على احتمال مشاقها ويجوز أن يكون وضع الامتحان موضع المعرفة لأن تحققك الشيء إنما يكون باختباره كما يوضع الخبر موضع المعرفة فكأنه قيل عرف الله قلوبهم للتقوى فتتعلق اللام بمحذوف أي كائنة له وهي اللام التي في قولك أنت لهذا الأمر أي مختص به كقوله:

  أعداء من لليعملات على الوجا

  وتكون مع معمولها منصوبة على الحال ويجوز أن يكون المعنى ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى أي لتثبت فيظهر تقواها ويعلم أنهم متقون لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها.

  ويجوز أن يكون المعنى أنه أخلص قلوبهم للتقوى من قولهم امتحن الذهب إذا أذابه فخلص إبريزه من خبثه ونقاه.

  وهذه الكلمة قد قالها # مرارا ووقفت في بعض الكتب على خطبة من جملتها

  إن قريشا طلبت السعادة فشقيت وطلبت النجاة فهلكت وطلبت الهدى فضلت ألم يسمعوا ويحهم قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}⁣[الطور: ٢١] فأين المعدل والمنزع عن ذرية الرسول الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم وأعلى رءوسهم فوق رءوسهم واختارهم عليهم ألا إن الذرية أفنان أنا شجرتها ودوحة أنا ساقها وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء كنا