شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر ورد المرتضى عليه

صفحة 186 - الجزء 13

  تراعيها لنعلم أفي صاحبنا هي أم في صاحبك وقد جعله الرسول ÷ في خيبر حين فر من فر من القوم عن العدو صاحب هذه الأوصاف فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار فدفعها إلى أمير المؤمنين #.

  ثم قوله تعالى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}⁣[المائدة: ٥٤] يقتضي ما ذكرنا لأنه من المعلوم بلا خلاف حال أمير المؤمنين # في التخاشع والتواضع وذم نفسه وقمع غضبه وأنه ما رئي قط طائشا ولا متطيرا في حال من الأحوال ومعلوم حال صاحبيكم في هذا الباب أما أحدهما فإنه اعترف طوعا بأن له شيطانا يعتريه عند غضبه وأما الآخر فكان معروفا بالجد والعجلة مشهورا بالفظاظة والغلظة وأما العزة على الكافرين فإنما تكون بقتالهم وجهادهم والانتقام منهم وهذه حال لم يسبق أمير المؤمنين # إليها سابق ولا لحقه فيها لاحق.

  ثم قال تعالى {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}⁣[المائدة: ٥٤] وهذا وصف أمير المؤمنين المستحق له بالإجماع وهو منتف عن أبي بكر وصاحبه إجماعا لأنه لا قتيل لهما في الإسلام ولا جهاد بين يدي الرسول ÷ وإذا كانت الأوصاف المراعاة في الآية حاصلة لأمير المؤمنين # وغير حاصلة لمن ادعيتم لأنها فيهم على ضربين ضرب معلوم انتفاؤه كالجهاد وضرب مختلف فيه كالأوصاف التي هي غير الجهاد وعلى من أثبتها لهم الدلالة على حصولها ولا بد أن يرجع في ذلك إلى غير ظاهر الآية لم يبق في يده من الآية دليل.

  هذه جملة ما ذكره المرتضى | ولقد كان يمكنه التخلص من الاحتجاج بالآية