وصية العباس قبل موته لعلي
  له رسول الله ÷ فلم يتم وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم ومن ساور الدهر غلب ومن حرص على ممنوع تعب فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك وبعثته على متابعتك وأوجرته محبتك ووجدت عنده من ذلك ظني به لك لا توتر قوسك إلا بعد الثقة بها وإذا أعجبتك فانظر إلى سيتها ثم لا تفوق إلا بعد العلم ولا تغرق في النزع إلا لتصيب الرمية وانظر لا تطرف يمينك عينك ولا تجن شمالك شينك ودعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك قلت الناس يستحسنون رأي العباس لعلي # في ألا يدخل في أصحاب الشورى وأما أنا فإني أستحسنه إن قصد به معنى ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر وذلك لأنه إن أجرى بهذا الرأي إلى ترفعه عليهم وعلو قدره عن أن يكون مماثلا لهم أو أجرى به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية فكل هذا رأي حسن وصواب وإن كان منزعه في ذلك إلى أنك إن تركت الدخول معهم وانفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنهم يطلبونك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولوك الخلافة وهذا هو الظاهر من كلامه فليس هذا الرأي عندي بمستحسن لأنه لو فعل ذلك لولوا عثمان أو واحدا منهم غيره ولم يكن عندهم من الرغبة فيه # ما يبعثهم على طلبه بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم وواقعا بإيثارهم فإن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض ولو عمر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة والمناشدة بفضائله تارة وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار وبما اعتمده إذ ذاك من تخلفه في بيته وإظهار أنه قد انعكف على جمع القرآن وبسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلا بتجريد السيف كما فعل في آخر الأمر ولست ألوم العرب لا سيما قريشا في بغضها له وانحرافها عنه فإنه وترها وسفك دماءها وكشف القناع في منابذتها ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم