شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

وصية العباس قبل موته لعلي

صفحة 300 - الجزء 13

  وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس كما نشاهده اليوم عيانا والناس كالناس الأول والطبائع واحدة فأحسب أنك كنت من سنتين أو ثلاث جاهليا أو من بعض الروم وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت أكان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه كلا إن ذلك لغير ذاهب هذا إذا كان الإسلام صحيحا والعقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب فبعضهم تقليدا وبعضهم للطمع والكسب وبعضهم خوفا من السيف وبعضهم على طريق الحمية والانتصار أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه.

  واعلم أن كل دم أراقه رسول الله ÷ بسيف علي # وبسيف غيره فإن العرب بعد وفاته # عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب # وحده لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله.

  لما قتل قوم من بني تميم أخا لعمرو بن هند قال بعض أعدائه يحرض عمرا عليهم:

  من مبلغ عمرا بأن ... المرء لم يخلق صباره

  وحوادث الأيام لا ... يبقى لها إلا الحجاره

  ها إن عجزة أمه ... بالسفح أسفل من أواره

  تسفي الرياح خلال ... كشحيه وقد سلبوا إزاره

  فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أمثل من زراره