شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار

صفحة 87 - الجزء 2

  وأتبعتهم الخيل فلما حملت عليهم الخيل وأمامها الرجال تمشي لم يكن شيء حتى تفرقوا وقتل صاحبهم في نحو من ثلاثين رجلا وحملنا ما كان في الأنبار من الأموال ثم انصرفت فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها وبلغني والله أنها أرعبت الناس فلما عدت إلى معاوية حدثته الحديث على وجهه فقال كنت عند ظني بك لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره وإن أحببت توليته وليتك وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.

  قال فو الله ما لبثنا إلا يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من عسكر علي #.

  قال إبراهيم كان اسم عامل علي # على مسلحة الأنبار أشرس بن حسان البكري.

  وروى إبراهيم عن عبد الله بن قيس عن حبيب بن عفيف قال كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا والله وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة بهم ولا يد فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا وايم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا وهو يتلو قوله تعالى {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ٢٣}⁣[الأحزاب: ٢٣] ثم قال لنا من كان لا يريد لقاء الله ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب ومن أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار ثم نزل في ثلاثين رجلا فهممت بالنزول معه ثم أبت نفسي واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله وانصرفنا نحن منهزمين.