شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة

صفحة 105 - الجزء 2

  من المعاني فإذا خطر في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين فلا بد لصاحب ذلك الخاطر سواء أكان عربيا أم فارسيا أم زنجيا أم حبشيا أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة وهذا أمر يعم العقلاء كلهم على أن تلك اللفظة التي قالها ما قيلت في موت قباذ وإنما قيلت في موت الإسكندر لما تكلمت الحكماء وهم حول تابوته بما تكلموا به من الحكم.

  ومما جاء من هذا القسم من المقابلة في الكتاب العزيز قوله تعالى في صفة الواقعة {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ٣}⁣[الواقعة: ٣] لأنها تخفض العاصين وترفع المطيعين.

  وقوله تعالى {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ١٣}⁣[الحديد: ١٣].

  وقوله {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}⁣[المائدة: ٥٤].

  ومن هذا الباب: قول النبي ÷ للأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.

  ومما جاء من ذلك في الشعر قول الفرزدق يهجو قبيلة جرير:

  يستيقظون إلى نهيق حميرهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار

  وقال آخر:

  فلا الجود يفني المال والجد مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجد مدبر