و كذلك قال من هذه القصيدة أيضا
  فقابل بين هاتا وبين تلك وهي مقابلة معنوية لا لفظية لأن هاتا للحاضرة وتلك للغائبة والحضور ضد الغيبة.
  وأما مقابلة الشيء لما ليس بضده فإما أن يكون مثلا أو مخالفا.
  والأول على ضربين مقابلة المفرد بالمفرد ومقابلة الجملة بالجملة.
  مثال مقابلة المفرد بالمفرد قوله تعالى {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر: ١٩] وقوله {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا}[النمل: ٥٠] هكذا قال نصر الله بن الأثير.
  قال وهذا مراعى في القرآن الكريم إذا كان جوابا كما تقدم من الآيتين وكقوله وجَزاءُ {سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠] وقوله {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}[الروم: ٤٤].
  قال وقد كان يجوز أن يقول من كفر فعليه ذنبه لكن الأحسن هو إعادة اللفظ فأما إذا كان غير جواب لم تلزم فيه هذه المراعاة اللفظية بل قد تقابل اللفظة بلفظة تفيد معناها وإن لم تكن هي بعينها نحو قوله تعالى {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ٧٠}[الزمر: ٧٠] فقال يفعلون ولم يقل يعملون.
  وكذلك قوله تعالى {فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ}[ص: ٢٢] ولم يقل قالوا لا تفزع.
  وكذلك قوله تعالى {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ٦٥}[التوبة: ٦٥] ولم يقل كنتم تخوضون وتلعبون.