شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

المقدمة

صفحة 46 - الجزء 1

  ولو قال عوض العلم الإلهي الكتاب الإلهي لكان أحسن قال الرضي | فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالما بما فيه من عظيم النفع، ومنشور الذكر، ومذخور الأجر، واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أميرالمؤمنين # في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدثرة والفضائل الجمة، وأنه انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد، فأما كلامه # فهو البحر الذي لا يساجل، والجم الذي لا يحافل، وأردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به ÷ بقول الفرزدق:

  أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع

  المحاسن الدثرة الكثيرة مال دثر أي كثير والجمة مثله ويؤثر عنهم أي يحكى وينقل قلته آثرا أي حاكيا ولا يساجل، أي: لا يكاثر أصله من النزع بالسجل وهو الدلو الملي ء، قال:

  من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب

  ويروى ويساحل بالحاء من ساحل البحر، وهو طرفه أي: لا يشابه في بعد ساحله ولا يحافل، أي: لا يفاخر بالكثرة أصله من الحفل، وهو الامتلاء والمحافلة المفاخرة بالامتلاء ضرع حافل أي ممتلئ.