شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

رسالة الإسكندر إلى أرسطو ورد أرسطو عليه

صفحة 57 - الجزء 17

  على تعقيب نجاح رأيه أيام كنت أؤدي إليه من تكلف تعليمي إياه ما أصبحت قاضيا على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه ومهما يكن مني إليه في ذلك فإنما هو عقل مردود إلى عقله مستنبطة أواليه وتواليه من علمه وحكمته وقد جلا إلى كتاب الملك ومخاطبته إياي ومسألته لي عما لا يتخالجني الشك في لقاح ذلك وإنتاجه من عنده فعنه صدر وعليه ورد وأنا فيما أشير به على الملك وإن اجتهدت فيه واحتشدت له وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه واستقصائه كالعدم مع الوجود بل كما لا يتجزأ في جنب معظم الأشياء ولكني غير ممتنع من إجابة الملك إلى ما سأل مع علمي ويقيني بعظيم غناه عني وشدة فاقتي إليه وأنا راد إلى الملك ما اكتسبته منه ومشير عليه بما أخذته منه فقائل له إن لكل تربة لا محالة قسما من الفضائل وإن لفارس قسمها من النجدة والقوة وإنك إن تقتل أشرافهم تخلف الوضعاء علي أعقابهم وتورث سفلتهم على منازل عليتهم وتغلب أدنياءهم على مراتب ذوي أخطارهم ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم وأشد توهينا لسلطانهم من غلبة السفلة وذل الوجوه فاحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة والحركة فإنه إن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلادك ناجم دهمهم منه ما لا روية فيه ولا بقية معه فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحيته واعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه فإن المتسمي بالملك لازم لاسمه والمعقود التاج على رأسه لا يخضع لغيره فليس ينشب ذلك أن يوقع كل ملك منهم بينه وبين صاحبه تدابرا وتقاطعا وتغالبا على الملك وتفاخرا بالمال والجند حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك وأوتارهم فيك ويعود حربهم لك حربا