شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو

صفحة 116 - الجزء 17

  ومنها نهيه عن التساقط في الشيء الممكن عند حضوره وهذا عبارة عن النهي عن الحرص والجشع قال الشنفري:

  وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

  ومنها نهيه عن اللجاجة في الحاجة إذا تعذرت كان يقال من لاج الله فقد جعله خصما ومن كان الله خصمه فهو مخصوم قال الغزي:

  دعها سماوية تجري على قدر ... لا تفسدنها برأي منك معكوس

  ومنها نهيه له عن الوهن فيها إذا استوضحت أي وضحت وانكشفت ويروى واستوضحت فعل ما لم يسم فاعله والوهن فيها إهمالها وترك انتهاز الفرصة فيها قال الشاعر:

  فإذا أمكنت فبادر إليها ... حذرا من تعذر الإمكان

  ومنها نهيه عن الاستئثار وهذا هو الخلق النبوي غنم رسول الله ÷ غنائم خيبر وكانت ملء الأرض نعما فلما ركب راحلته وسار تبعه الناس يطلبون الغنائم وقسمها وهو ساكت لا يكلمهم وقد أكثروا عليه إلحاحا وسؤالا فمر بشجرة فخطفت رداءه فالتفت فقال ردوا علي ردائي فلو ملكت بعدد رمل تهامة مغنما لقسمته بينكم عن آخره ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا ونزل وقسم ذلك المال عن آخره عليهم كله لم يأخذ لنفسه منه وبرة.

  ومنها نهيه له عن التغابي وصورة ذلك أن الأمير يومئ إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا ويفعل كذا من الأمور المنكرة ويرتكبها سرا فيتغابى عنه ويتغافل نهاه # عن ذلك وقال إنك مأخوذ منك لغيرك أي معاقب تقول اللهم خذ لي من فلان بحقي أي اللهم انتقم لي منه.