شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر بعض وصايا العرب

صفحة 120 - الجزء 17

  في عز خير من حياة في ذل وعجز وكل ما هو كائن كائن وكل جمع إلى تباين والدهر صرفان صرف بلاء وصرف رخاء واليوم يومان يوم حبرة ويوم عبرة والناس رجلان رجل لك ورجل عليك زوجوا النساء الأكفاء وإلا فانتظروا بهن القضاء وليكن أطيب طيبهم الماء وإياكم والورهاء فإنها أدوأ الداء وإن ولدها إلى أفن يكون لا راحة لقاطع القرابة وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم وآفة العدد اختلاف الكلمة والتفضل بالحسنة يقي السيئة والمكافأة بالسيئة دخول فيها وعمل السوء يزيل النعماء وقطيعة الرحم تورث الهم وانتهاك الحرمة يزيل النعمة وعقوق الوالدين يعقب النكد ويخرب البلد ويمحق العدد والإسراف في النصيحة هو الفضيحة والحقد منع الرفد ولزوم الخطيئة يعقب البلية وسوء الدعة يقطع أسباب المنفعة والضغائن تدعو إلى التباين يا بني إني قد أكلت مع أقوام وشربت فذهبوا وغبرت وكأني بهم قد لحقت ثم قال:

  أكلت شبابي فأفنيته ... وأبليت بعد دهور دهورا

  ثلاثة أهلين صاحبتهم ... فبادروا وأصبحت شيخا كبيرا

  قليل الطعام عسير القيام ... قد ترك الدهر خطوي قصيرا

  أبيت أراعي نجوم السماء ... أقلب أمري بطونا ظهورا

  وصى أكثم بن صيفي بنيه ورهطه فقال يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي إن بين حيزومي وصدري لكلاما لا أجد له مواقع إلا أسماعكم ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بأسماع مصغية وقلوب دواعية تحمدوا مغبته الهوى