فصل في ذكر بعض وصايا العرب
  ذلك أوثق من الدين والناموس ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد فإن انفرد باختصاص بعضهم صار عدو بقيتهم ولى طباع العامة استثقال الولاة وملالهم والنفاسة عليهم والحسد لهم وفي الرعية المحروم والمضروب والمقام عليه الحدود ويتولد من كثرتهم مع عداوتهم أن يجبن الملك عن الإقدام عليهم فإن في إقدام الملك على الرعية كلها كافة تغريرا بملكه ويتولد من جبن الملك عن الرعية استعجالهم عليه وهم أقوى عدو له وأخلقه بالظفر لأنه حاضر مع الملك في دار ملكه فمن أفضى إليه الملك بعدي فلا يكونن بإصلاح جسده أشد اهتماما منه بهذه الحال ولا تكونن لشيء من الأشياء أكره وأنكر لرأس صار ذنبا وذنب صار رأسا ويد مشغولة صارت فارغة أو غني صار فقيرا أو عامل مصروف أو أمير معزول.
  واعلموا أن سياسة الملك وحراسته ألا يكون ابن الكاتب إلا كاتبا وابن الجندي إلا جنديا وابن التاجر إلا تاجرا وهكذا في جميع الطبقات فإنه يتولد من تنقل الناس عن حالاتهم أن يلتمس كل امرئ منهم فوق مرتبته فإذا انتقل أوشك أن يرى شيئا أرفع مما انتقل إليه فيحسد أو ينافس وفي ذلك من الضرر المتولد ما لا خفاء به فإن عجز ملك منكم عن إصلاح رعيته كما أوصيناه فلا يكون للقميص القمل أصرع خلعا منه لما لبس من قميص ذلك الملك.
  واعلموا أنه ليس ملك إلا وهو كثير الذكر لمن يلي الأمر بعده ومن فساد أمر الملك نشر ذكره ولاة العهود فإن في ذلك ضروبا من الضرر وأن ذلك دخول عداوة بين الملك وولي عهده لأنه تطمح عينه إلى الملك ويصير له أحباب وأخدان يمنونه ذلك ويستبطئون موت الملك ثم إن الملك يستوحش منه وتنساق الأمور إلى هلاك أحدهما ولكن لينظر الوالي منكم لله تعالى ثم لنفسه ثم للرعية ولينتخب وليا للعهد من بعده