شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر بعض وصايا العرب

صفحة 129 - الجزء 17

  فضل الملك على السوقة إلا بقدرته على اقتناء المحامد واستفادة المكارم فإن الملك إذا شاء أحسن وليس كذلك السوقة.

  واعلموا أن لكل ملك بطانة ولكل رجل من بطانته بطانة ثم إن لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة حتى يجتمع من ذلك أهل المملكة فإذا أقام الملك بطانته على حال الصواب فيهم أقام كل امرئ منهم بطانته على مثل ذلك حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية.

  احذروا بابا واحدا طالما أمنته فضرني وحذرته فنفعني احذروا إفشاء السر بحضرة الصغار من أهليكم وخدمكم فإنه ليس يصغر واحد منهم عن حمل ذلك السر كاملا لا يترك منه شيئا حتى يضعه حيث تكرهون إما سقطا أو غشا.

  واعلموا أن في الرعية صنفا أتوا الملك من قبل النصائح له والتمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس فأولئك أعداء الناس وأعداء الملوك ومن عادى الملوك والناس كلهم فقد عادى نفسه.

  واعلموا أن الدهر حاملكم على طبقات فمنها حال السخاء حتى يدنو أحدكم من السرف ومنها حال التبذير حتى يدنو من البخل ومنها حال الأناة حتى يدنو من البلادة ومنها حال انتهاز الفرصة حتى يدنو من الخفة ومنها حال الطلاقة في اللسان حتى يدنو من الهذر ومنها حال الأخذ بحكمة الصمت حتى يدنو من العي فالملك منكم جدير أن يبلغ من كل طبقة في محاسنها حدها فإذا وقف عليه ألجم نفسه عما وراءها.

  واعلموا أن ابن الملك وأخاه وابن عمه يقول كدت أن أكون ملكا وبالحري ألا أموت حتى أكون ملكا فإذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك وإن كتمه فالداء