شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الأول

صفحة 156 - الجزء 17

  على أنه غير مكره لهم وأنه قد خلاهم وما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه وقد روي أن أمير المؤمنين # أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله والمراد بذلك أنه تركه وما يختار.

  اعترض المرتضى ¥ فقال أما قول أبي بكر وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم ولا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية وقد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما موفقا مسددا والوجه الآخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه ولا يضبط غضبه ومن هو في نهاية الطيش والحدة والخرق والعجلة ولا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها وليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب وأن عادته بذلك جارية وليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان ولا يطيعه ويزين له القبيح فلا يأتيه وليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب بل هو زيادة في التكليف ووجه يتضاعف معه الثواب وقوله تعالى {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}⁣[الحج: ٥٢] قيل معناه في تلاوته وقيل في فكرته على سبيل الخاطر وأي الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي ÷ ولا نقص وإنما العار والنقص على من يطيع الشيطان ويتبع ما يدعو إليه وليس لأحد أن يقول هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ}⁣[البقرة: ٣٦] لأنه قد خبر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل وذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم وحواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة وترك التناول منها ولم يكن ذلك عليهما واجبا لازما