شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الثاني

صفحة 166 - الجزء 17

  وأي شبهة تبقى بعد قول أبي بكر ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق فكنا لا ننازعه أهله ومعلوم أن التنازع لم يقع بينهم إلا في الإمامة نفسها لا في حق آخر من حقوقها.

  فأما قوله إنا قد بينا أنه لم يكن منه في بيت فاطمة ما يوجب أن يتمنى أنه لم يفعله فقد بينا فساد ما ظنه فيما تقدم.

  فأما قوله إن من اشتد التكليف عليه قد يتمنى خلافه فليس بصحيح لأن ولاية أبي بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين والنظر للمسلمين في تلك الحال وما عداها كان مفسدة ومؤديا إلى الفتنة فالتمني لخلافها لا يكون إلا قبيحا.

  قلت أما قول قاضي القضاة إن هذا التمني لا يقتضي الشك في أن الإمامة لا تكون إلا في قريش كما أن قول إبراهيم {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}⁣[البقرة: ٢٦٠] لا يقتضي الشك في أنه تعالى قادر على ذلك فجيد.

  فأما قول المرتضى إنما ساغ أن يعدل عن الظاهر في حق إبراهيم لأنه نبي معصوم لا يجوز عليه الشك فيقال له وكذلك ينبغي أن يعدل عن ظاهر كلام أبي بكر لأنه رجل مسلم عاقل فحسن الظن به يقتضي صيانة أفعاله وأقواله عن التناقض قوله إن إبراهيم قد نفى عن نفسه الشك بقوله بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قلنا إن أبا بكر قد نفى عن نفسه الشك بدفع الأنصار عن الإمامة وإثباتها في قريش خاصة فإن كانت لفظة بلى دافعة لشك إبراهيم الذي يقتضيه قوله {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}⁣[البقرة: ٢٦٠] ففعل أبي بكر وقوله يوم السقيفة