شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من الأقوال الحكيمة

صفحة 44 - الجزء 18

  في غير هذا الفصل الماضي للمقيم عبرة والميت للحي عظة وليس لأمس عودة ولا المرء من غد على ثقة الأول للأوسط رائد والأوسط للأخير قائد وكل بكل لاحق والكل للكل مفارق.

  ومنها قوله وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق قال الله سبحانه {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}⁣[البقرة: ٢٢٤] وقد نهى عن الحلف بالله في الكذب والصدق أما في أحدهما فمحرم وأما في الآخر فمكروه ولذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى في لغو القول والهزء والعبث.

  ومنها قوله وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت جاء في الخبر المرفوع أكثروا ذكر هاذم اللذات وما بعد الموت العقاب والثواب في القبر وفي الآخرة.

  ومنها قوله ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق هذه كلمة شريفة عظيمة القدر أي لا تتمن الموت إلا وأنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة وتنقذك من النار وهذا هو معنى قوله تعالى لليهود {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ٧}⁣[الجمعة: ٦ - ٧].

  و منها قوله واحذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكرهه لعامة المسلمين واحذر كل عمل يعمل في السر ويستحيا منه في العلانية واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه وهذه الوصايا الثلاث متقاربة في المعنى ويشملها معنى قول الشاعر:

  لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم