شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من الأقوال الحكيمة

صفحة 46 - الجزء 18

  ولكن لا تحدث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب فليس كل وقت يتهيأ لك إرسال الحمام.

  وكان يقال الناس يكتبون أحسن ما يسمعون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويتحدثون بأحسن ما يحفظون والأصدق نوع تحت جنس الأحسن ومنها قوله ولا ترد على الناس كل ما حدثوك فكفى بذلك جهلا من الجهل المبادرة بإنكار ما يسمعه وقال ابن سينا في آخر الإشارات إياك أن يكون تكيسك وتبرؤك من العامة هو أن تنبري منكرا لكل شيء فلذلك عجز وطيش وليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليته دون الخرق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بينة بل عليك الاعتصام بحبل التوقف وإن أزعجك استنكار ما يوعيه سمعك مما لم يبرهن على استحالته لك فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنها قائم البرهان.

  ومنها قوله واكظم الغيظ قد مدح الله تعالى ذلك فقال {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}⁣[آل عمران: ١٣٤] وروي أن عبدا لموسى بن جعفر # قدم إليه صحفة فيها طعام حار فعجل فصبها على رأسه ووجهه فغضب فقال له {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}⁣[آل عمران: ١٣٤] قال قد كظمت قال {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}⁣[آل عمران: ١٣٤] قال قد عفوت قال {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٣٤}⁣[آل عمران: ١٣٤] قال أنت حر لوجه الله وقد نحلتك ضيعتي الفلانية.

  ومنها قوله واحلم عند الغضب هذه مناسبة الأولى وقد تقدم منا قول كثير في الحلم وفضله وكذلك القول في قوله # وتجاوز عند القدرة وكان يقال القدرة تذهب الحفيظة.