شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من الأقوال الحكيمة

صفحة 47 - الجزء 18

  ومنها قوله واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة هذه كانت شيمة رسول الله ÷ وشيمة علي # أما شيمة رسول الله ÷ فظفر بمشركي مكة وعفا عنهم كما سبق القول فيه في عام الفتح وأما علي # فظفر بأصحاب الجمل وقد شقوا عصا الإسلام عليه وطعنوا فيه وفي خلافته فعفا عنهم مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد ويصيرون إلى معاوية إما بأنفسهم أو بآرائهم ومكتوباتهم وهذا أعظم من الصفح عن أهل مكة لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها ويفسدون الدين عندها.

  ومنها قوله واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك معنى استصلحها استدمها لأنه إذا استدامها فقد أصلحها فإن بقاءها صلاح لها واستدامتها بالشكر.

  ومنها قوله ولا تضيعن نعمة من نعم الله عندك أي واس الناس منها وأحسن إليهم واجعل بعضها لنفسك وبعضها للصدقة والإيثار فإنك إن لم تفعل ذلك تكن قد أضعتها.

  ومنها قوله ولير عليك أثر النعمة قد أمر بأن يظهر الإنسان على نفسه آثار نعمة الله عليه وقال سبحانه {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ١١}⁣[الضحى: ١١] وقال الرشيد لجعفر قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي فمضيا إليه خفية ومعهما خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه فدخلا داره فوجدا كساء جرداء وبارية سملاء وحصيرا مقطوعا وخباء قديمة وأباريق من خزف ودواة من زجاج ودفاتر عليها التراب وحيطانا مملوءة من نسج العناكب فوجم الرشيد وسأله مسائل غشة لم تكن من غرضه وإنما قطع بها خجله وقال الرشيد لجعفر ألا ترى إلى نفس هذا المهين قد بررناه بأكثر