شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

المقدمة

صفحة 54 - الجزء 1

  اللسان، ومن زلة الكلم قبل زلة القدم، وهو حسبي ونعم الوكيل في أثناء هذا الاختيار تضاعيفه واحدها ثني كعذق وأعذاق والغيرة بالفتح والكسر خطأ وعقائل الكلام كرائمه، وعقيلة الحي كريمته، وكذلك عقيلة الذود والأقطار الجوانب واحدها قطر والناد المنفرد ند البعير يند الربقة عروة الحبل يجعل فيها رأس البهيمة، وقوله وعلى الله نهج السبيل، أي: إبانته وإيضاحه نهجت له نهجا، وأما اسم الكتاب فنهج البلاغة، والنهج هنا ليس بمصدر، بل هو اسم للطريق الواضح نفسه، والطلاب بكسر الطاء الطلب والبغية ما يبتغى وبلال كل غلة بكسر الباء ما يبل به الصدى، ومنه قوله انضحوا الرحم ببلالها، أي صلوها بصلتها وندوها، قال أوس:

  كأني حلوت الشعر حين مدحته ... صفا صخرة صماء يبس بلالها

  وإنما استعاذ من خطإ الجنان قبل خطإ اللسان؛ لأن خطأ الجنان أعظم وأفحش من خطإ اللسان، ألا ترى أن اعتقاد الكفر بالقلب أعظم عقابا من أن يكفر الإنسان بلسانه، وهو غير معتقد للكفر بقلبه، وإنما استعاذ من زلة الكلم قبل زلة القدم؛ لأنه أراد زلة القدم الحقيقية ولا ريب أن زلة القدم أهون وأسهل؛ لأن العاثر يستقيل من عثرته وذا الزلة تجده ينهض من صرعته، وأما الزلة باللسان فقد لا تستقال عثرتها ولا ينهض صريعها، وطالما كانت لا شوى لها قال أبو تمام:

  يا زلة ما وقيتم شر مصرعها ... وزلة الرأي تنسى زلة القدم