شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من الأقوال الحكمية في حمد القناعة وقلة الأكل

صفحة 187 - الجزء 19

  حتى تأخذ حلمك يعني تتغذى فإذا أخذت حلمك فلا تزدد إليه حلما فإن الكثرة تئول إلى قلة وفي الحديث المرفوع ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن بحسب الرجل من طعامه ما أقام صلبه وأما إذا أبيت فثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس وروى حذيفة عن النبي ÷ من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه وعنه ÷ لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب يموت بهما كالزرع يموت إذا أكثر عليه الماء وروى عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال أكلت يوما ثريدا ولحما سمينا ثم أتيت رسول الله وأنا أتجشأ فقال احبس جشأك أبا جحيفة إن أكثركم شبعا في الدنيا أكثركم جوعا في الآخرة قال فما أكل أبو جحيفة بعدها ملء بطنه إلى أن قبضه الله وأكل علي # قليلا من تمر دقل وشرب عليه ماء وأمر يده على بطنه وقال من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثم تمثل:

  فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

  وكان # يفطر في رمضان الذي قتل فيه عند الحسن ليلة وعند الحسين ليلة وعند عبد الله بن جعفر ليلة لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث فيقال له فيقول إنما هي ليال قلائل حتى يأتي أمر الله وأنا خميص البطن فضربه ابن ملجم لعنه الله تلك الليلة.

  وقال الحسن لقد أدركت أقواما ما يأكل أحدهم إلا في ناحية بطنه ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا كان يأكل فإذا قارب الشبع أمسك.

  وأنشد المبرد