1 - فمن خطبة له # يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم
  نعلم كنه البارئ سبحانه لا في هذه الدنيا بل في الآخرة، فإن القائلين برؤيته في الآخرة يقولون إنا نعرف حينئذ كنهه فهو # رد قولهم، وقال إنه لا وقت أبدا على الإطلاق تعرف فيه حقيقته وكنهه لا الآن ولا بعد الآن، وهو الحق، لأنا لو رأيناه في الآخرة وعرفنا كنهه لتشخص تشخصا يمنع من حمله على كثيرين، ولا يتصور أن يتشخص هذا التشخص إلا ما يشار إلى جهته ولا جهة له سبحانه وقد شرحت هذا الموضع في كتابي المعروف بزيادات النقضين، وبينت أن الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب الأشعري لا بد فيها من إثبات الجهة وأنها لا تجري مجرى العلم؛ لأن العلم لا يشخص المعلوم والرؤية تشخص المرئي والتشخيص لا يمكن إلا مع كون المتشخص ذا جهة.
  واعلم أن نفي الإحاطة مذكور في الكتاب العزيز في مواضع منها قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه: ١١٠] ومنها قوله {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ٤}[الملك: ٤] وقال بعض الصحابة العجز عن درك الإدارك إدراك، وقد غلا محمد بن هانئ، فقال في ممدوحه المعز أبي تميم معد بن المنصور العلوي:
  أتبعته فكري حتى إذا بلغت ... غاياتها بين تصويب وتصعيد
  رأيت موضع برهان يلوح وما ... رأيت موضع تكييف وتحديد
  وهذا مدح يليق بالخالق تعالى ولا يليق بالمخلوق.
  فأما قوله: فطر الخلائق إلى آخر الفصل، فهو تقسيم مشتق من الكتاب العزيز، فقوله: فطر الخلائق بقدرته من قوله تعالى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ