شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الاستغفار والتوبة

صفحة 58 - الجزء 20

  ويعزم على أداء الواجب فيما بعد فأما القول في أن التوبة تسقط العذاب فعندنا أن العقل يقتضي قبح العقاب بعد التوبة وخالف أكثر المرجئة في ذلك من الإمامية وغيرهم واحتج أصحابنا بقبح عقوبة المسيء إلينا بعد ندمه واعتذاره وتنصله والعلم بصدقه والعلم بأنه عازم على ألا يعود.

  فأما القول في وجوب التوبة على العصاة فلا ريب أن الشرع يوجب ذلك فأما العقل فالقول فيه أنه لا يخلو المكلف إما أن يعلم أن معصيته كبيرة أو يعلم أنها صغيرة أو يجوز فيها كلا الأمرين فإن علم كونها كبيرة وجب عليه في العقول التوبة منها لأن التوبة مزيلة لضرر الكبيرة وإزالة المضار واجبة في العقول وإن جوز كونها كبيرة وجوز كونها صغيرة لزمه أيضا في العقل التوبة منها لأنه يأمن بالتوبة من مضرة مخوفة وفعل ما يؤمن من المضار المخوفة واجب وإن علم أن معصيته صغيرة وذلك كمعاصي الأنبياء وكمن عصى ثم علم بإخبار نبي أن معصيته صغيرة محبطة فقد قال الشيخ أبو علي إن التوبة منها واجبة في العقول لأنه إن لم يتب كان مصرا والإصرار قبيح.

  وقال الشيخ أبو هاشم لا تجب التوبة منها في العقل بالشرع لأن فيها مصلحة يعلمها الله تعالى قال إنه يجوز أن يخلو الإنسان من التوبة عن الذنب ومن الإصرار عليه لأن الإصرار عليه هو العزم على معاودة مثله والتوبة منه أن يكره معاودة مثله مع الندم على ما مضى ويجوز أن يخلو الإنسان من العزم على الشيء ومن كراهته.

  ومال شيخنا أبو الحسين | إلى وجوب التوبة هاهنا عقلا لدليل غير دليل أبي علي |.