شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر ما أورده القاضي عبد الجبار من دفع ما تعلق به الناس على عثمان من الأحداث

صفحة 326 - الجزء 2

  قال وذلك أن شيخنا أبا علي ¦ قد قال لو كانت هذه الأحداث مما توجب طعنا على الحقيقة لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلب المسلمون رجلا ينصب للإمامة وأن يكون ظهور ذلك عن عثمان كموته فإنه لا خلاف أنه متى ظهر من الإمام ما يوجب خلعه أن الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه فلما علمنا أن طلبهم لإقامة إمام إنما كان بعد قتله ولم يكن من قبل والتمكن قائم علمنا بطلان ما أضيف إليه من الأحداث.

  قال وليس لأحد أن يقول إنهم لم يتمكنوا من ذلك لأن المتعالم من حالهم أنهم حصروه ومنعوه من التمكن من نفسه ومن التصرف في سلطانه خصوصا والخصوم يدعون أن الجميع كانوا على قول واحد في خلعه والبراءة منه.

  قال ومعلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حوصر فيها وقتل بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال فلو كان ذلك يوجب الخلع والبراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه ولكان كبار الصحابة المقيمون بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد لأن أهل العلم والفضل بإنكار ذلك أحق من غيرهم.

  قال فقد كان يجب على طريقتهم أن تحصل البراءة والخلع من أول الوقت الذي حصل منه ما أوجب ذلك وألا ينتظر حصول غيره من الأحداث لأنه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلا وينتظر غيره.

  ثم ذكر أن إمساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الجميع إلى الخطإ والضلال ولا يمكنهم أن يقولوا إن علمهم بذلك إنما حصل في الوقت الذي حصر ومنع لأن من جملة الأحداث التي يذكرونها ما تقدم عن هذه الحال بل كلها أو جلها تقدم هذا الوقت وإنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في هذا الوقت بما يذكرونه من