شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

بقية رد المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان

صفحة 5 - الجزء 3

  قال: فأما قوله: إنه معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها وقتل، بل كانت تقع حالا بعد حال، فلو كانت توجب الخلع والبراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه، ولكان المقيمون من الصحابة بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد، فلا شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر؛ لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه حتى زاد الأمر وتفاقم، وبعد التأويل وتعذر التخريج ولم يبق للظن الجميل طريق فحينئذ أنكروا، وهذا مستمر على ما قدمنا ذكره من أن العدالة والطريقة الجميلة، يتأول لها في الفعل والأفعال القليلة بحسب ما تقدم من حسن الظن به، ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل والعمل على الظاهر القبيح.

  قال: على أن الوجه الصحيح في هذا الباب أن أهل الحق كانوا معتقدين بخلعه من أول حدث بل معتقدين أن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات، وإنما منعهم من إظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف والتقية؛ لأن الاعتذار بالوجل كان عاما، فلما تبين أمره حالا بعد حال وأعرضت الوجوه عنه، وقل العاذر له قويت الكلمة في خلعه، وهذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله، فليس يقتضي الإمساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطأ إلى الجميع على ما ظنه.

  قال: فأما دفعه بأن تكون الأمة أجمعت على خلعه بخروجه نفسه، وخروج من كان في حيزه عن القوم فليس بشي ء؛ لأنه إذا ثبت أن من عداه وعدا عبيده والرهيط من فجار أهله وفساقهم، كمروان ومن جرى مجراه كانوا مجمعين على خلعه فلا شبهة