بقية رد المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان
  في أن الحق في غير حيزه؛ لأنه لا يجوز أن يكون هو المصيب وجميع الأمة مبطل، وإنما يدعى أنه على الحق لمن ينازع في إجماع من عداه، فأما مع التسليم لذلك فليس يبقى شبهة، وما نجد مخالفينا يعتبرون في باب الإجماع بإجماع الشذاذ، والنفر القليل الخارجين من الإجماع، ألا ترى أنهم لا يحفلون بخلاف سعد وأهله وولده في بيعه أبي بكر لقلتهم وكثرة من بإزائهم، ولذلك لا يعتدون بخلاف من امتنع من بيعة أمير المؤمنين #، ويجعلونه شاذا لا تأثير بخلافه، فكيف فارقوا هذه الطريقة في خلع عثمان، وهل هذا إلا تقلب وتلون.
  قلت: أما إذا احتج أصحابنا على إمامة أبي بكر بالإجماع، فاعتراض حجتهم بخلاف سعد وولده وأهله اعتراض جيد، وليس يقول أصحابنا في جوابه هؤلاء شذاذ فلا نحفل بخلافهم، وإنما المعتبر بالكثرة التي بإزائهم، وكيف يقولون هذا وحجتهم الإجماع ولا إجماع، ولكنهم يجيبون عن ذلك بأن سعدا مات في خلافة عمر، فلم يبق من يخالف في خلافة عمر فانعقد الإجماع عليها، وبايع ولد سعد وأهله من قبل، وإذا صحت خلافة عمر صحت خلافة أبي بكر؛ لأنها فرع عليها ومحال أن يصح الفرع ويكون الأصل فاسدا، فهكذا يجيب أصحابنا عن الاعتراض بخلاف سعد إذا احتجوا بالإجماع، فأما إذا احتجوا بالاختيار، فلا يتوجه نحوهم الاعتراض بخلاف سعد وأهله وولده؛ لأنه ليس من شرط ثبوت الإمامة بالاختيار إجماع الأمة على الاختيار، وإنما يكفي فيه بيعة خمسة من أهل الحل والعقد على الترتيب الذي يرتب أصحابنا الدلالة عليه، وبهذا الطريق يثبت عندهم إمامة علي #، ولم يحفل بخلاف معاوية وأهل الشام فيها.