شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع

صفحة 154 - الجزء 3

  لتفقد كتبرح ألا ترى أنها معتلة وتلك صحيحة، وكذلك لو قال: لا تبرح منه رحمة ولا يفقد له أنعام، فإن أنعاما ليس في وزن رحمة والموازنة مطلوبة في الكلام الذي يقصد فيه الفصاحة لأجل الاعتدال الذي هو مطلوب الطبع في جميع الأشياء والموازنة أعم من السجع؛ لأن السجع تماثل أجزاء الفواصل لو أوردها على حرف واحد، نحو: القريب والغريب والنسيب وما أشبه ذلك، وأما الموازنة فنحو: القريب والشديد والجليل، وما كان على هذا الوزن وإن لم يكن الحرف الآخر بعينه واحدا، وكل سجع موازنة، وليس كل موازنة سجعا، ومثال الموازنة في الكتاب العزيز: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ١١٧ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ١١٨}⁣[الصافات: ١١٧ - ١١٨]، و قوله تعالى: {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ٨١}⁣[مريم: ٨١]، ثم قال: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ٨٢}⁣[مريم: ٨٢]، ثم قال: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ٨٣}⁣[مريم: ٨٣]، ثم قال: {نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ٨٤}⁣[مريم: ٨٤] فهذه الموازنة.

  ومما جاء من المثال في الشعر قوله:

  بأشدهم بأسا على أعدائهم ... وأعزهم فقدا على الأصحاب

  فقوله: وأعزهم بإزاء أشدهم، وقوله: فقدا بإزاء بأسا.

  والموازنة كثيرة في الكلام وهي في كتاب الله تعالى أكثر.

نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع

  فأما الفصل الثاني، فيشتمل على التحذير من الدنيا وعلى الأمر بالقناعة والرضا بالكفاف، فأما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا ونذكر منه ما يحضرنا، وأما القناعة فقد ورد فيها شيء كثير.