شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع

صفحة 156 - الجزء 3

  كان معاش عمرو بن عبيد من دار ورثها كان يأخذ أجرتها في كل شهر دينارا واحدا فيتبلغ به.

  الخليل بن أحمد كان الناس يكتسبون الرغائب بعلمه، وهو بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا ولا يطلبها.

  وهب بن منبه أرملت مرة حتى كدت أقنط، فأتاني آت في المنام ومعه شبه لوزة، فقال: افضض ففضضتها، فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره، وعرف لله عدله أن يستبطئ الله في رزقه فقنعت وصبرت، ثم أعطاني الله فأكثر.

  قيل للحسن #: إن أبا ذر كان يقول الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول من اتكل إلى حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له لعمري، يا ابن آدم، الطير لا تأكل رغدا ولا تخبأ لغد، وأنت تأكل رغدا وتخبأ لغد، فالطير أحسن ظنا منك بالله ø، حبس عمر بن عبد العزيز الغذاء عن مسلمة حتى برح به الجوع، ثم دعا بسويق فسقاه، فلما فرغ منه لم يقدر على الأكل، فقال: يا مسلمة، إذا كفاك من الدنيا ما رأيت فعلام التهافت في النار.

  عبد الواحد بن زيد ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا والقناعة، ولا أعلم درجة أرفع من الرضا وهو رأس المحبة.

  قال ابن شبرمة في محمد بن واسع: لو أن إنسانا اكتفى بالتراب لاكتفى به.

  يقال من جملة ما أوحى الله تعالى إلى موسى #: قل لعبادي المتسخطين لرزقي إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.