50 - ومن خطبة له #
  ومعنى قوله على أوليائه، أي: على من عنده استعداد للجهل وتمرن على اتباع الهوى، وزهد في تحقيق الأمور العقلية على وجهها تقليدا للأسلاف، ومحبة لأتباع المذهب المألوف، فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان ويضله وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى، وهم الذين يتبعون محض العقل، ولا يركنون إلى التقليد، ويسلكون مسلك التحقيق، وينظرون النظر الدقيق، يجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم، وليس في هذا الكلام تصريح بالجبر، ولا إشعار به على وجه من الوجوه وهذا واضح.
  وحمل الراوندي قوله #: فلو أن الباطل خلص إلى آخره على أن المراد به نفي القياس في الشرع.
  قال: لأن القائسين يحملون المسكوت عنه على المنطوق، فيمتزج المجهول بالمعلوم فيلتبس ويظن لامتزاج بعضه ببعض حقا، وهذا غير مستقيم؛ لأن لفظ الخطبة أن الحق يمتزج بالباطل، وأصحاب القياس لا يسلمون أن استخراج العلة من الحكم المعلوم باطل، بل يقولون إنه حق وإن الدليل الدال على ورود العبارة بالقياس قد أمنهم من كونه باطلا.
  واعلم أن هذا الكلام الذي قاله #: حق إذا تأملته وإن لم تفسره على ما قدمناه من التفسير، فإن الذين ضلوا من مقلدة اليهود والنصارى وأرباب المقالات الفاسدة من أهل الملة الإسلامية وغيرها، إنما ضل أكثرهم بتقليد الأسلاف ومن يحسن الظن فيه من الرؤساء وأرباب المذاهب، وإنما قلدهم الأتباع لما شاهدوا من إصلاح ظواهرهم، ورفضهم الدنيا وزهدهم فيها، وإقبالهم على العبادة وتمسكهم بالدين، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وشدتهم في ذات الله، وجهادهم في سبيله، وقوتهم في