شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

62 - ومن خطبة له #

صفحة 140 - الجزء 5

٦٢ - ومن خطبة له #

  أَلاَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا [بِالزُّهْدِ] وَلاَ يُنْجَى بِشَيْ ءٍ كَانَ لَهَا اُبْتُلِيَ اَلنَّاسُ بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي اَلْعُقُولِ كَفَيْ ءِ اَلظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ تقدير الكلام أن الدنيا دار لا يسلم من عقاب ذنوبها إلا فيها وهذا حق لأن العقاب المستحق إنما يسقط بأحد أمرين إما بثواب على طاعات تفضل على ذلك العقاب المستحق أو بتوبة كاملة الشروط.

  وكلا الأمرين لا يصح من المكلفين إيقاعه إلا في الدنيا فإن الآخرة ليست دار تكليف ليصح من الإنسان فيها عمل الطاعة والتوبة عن المعصية السالفة فقد ثبت إذا أن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها.

  إن قيل بينوا أن الآخرة ليست بدار تكليف.

  قيل قد بين الشيوخ ذلك بوجهين أحدهما الإجماع على المنع من تجويز استحقاق ثواب أو عقاب في الآخرة.

  والثاني أن الثواب يجب أن يكون خالصا من المشاق والتكليف يستلزم المشقة لأنها شرط في صحته فبطل أن يجوز استحقاق ثواب في الآخرة للمكلفين المثابين في الآخرة