شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الجناس وأنواعه

صفحة 276 - الجزء 8

  الدنيا والآخرة أهل الدنيا منتهى بصرهم دنياهم ويظنون أنهم يبصرون شيئا وليسوا بمبصرين على الحقيقة ولا حواسهم نافذة في شيء وأهل الآخرة قد نفذت أبصارهم فرأوا الآخرة ولم يقف إحساسهم على الدنيا خاصة فأولئك هم أصحاب الأبصار على الحقيقة وهذا معنى شريف من معاني أصحاب الطريقة والحقيقة وإليه الإشارة بقوله سبحانه أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها فأما قوله فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص فمن مستحسن التجنيس وهذا هو الذي يسميه أرباب الصناعة الجناس التام فالشاخص الأول الراحل والشاخص الثاني من شخص بصره بالفتح إذا فتح عينه نحو الشيء مقابلا له وجعل لا يطرف

فصل في الجناس وأنواعه

  واعلم أن الجناس على سبعة أضرب أولها الجناس التام كهذا اللفظ وحده أن تتساوى حروف ألفاظ الكلمتين في تركيبها وفي وزنها قالوا ولم يرد في القرآن العزيز منه إلا موضع واحد وهو قوله {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}⁣[الروم: ٥٥].

  و عندي أن هذا ليس بتجنيس أصلا وقد ذكرته في كتابي المسمى بالفلك الدائر على المثل السائر وقلت إن الساعة في الموضعين بمعنى واحد والتجنيس أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى ولا يكون أحدهما حقيقة والآخر مجازا بل يكونان حقيقتين وإن