شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الآثار الواردة في شديد عذاب جهنم

صفحة 35 - الجزء 10

  لعظيم كبائره جدا فيفضحه الله تعالى في الموقف كما يفضح المشرك فهذا معنى قوله {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}⁣[النساء: ٤٨].

  فأما الكلام المطول في تأويلات هذه الآية فمذكور في كتبنا الكلامية.

  واعلم أنه لا تعلق للمرجئة ولا جدوى عليهم من عموم لفظ الآية لأنهم قد وافقونا على أن الفلسفي غير مغفور له وليس بمشرك فإذا أراد بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}⁣[النساء: ٤٨] ومن جرى مجرى المشركين قيل لهم ونحن نقول إن الزاني والقاتل يجريان مجرى المشركين كما أجريتم الفلاسفة مجرى المشركين فلا تنكروا علينا ما لم تنكروه على أنفسكم.

  ثم ذكر # أن القصاص في الآخرة شديد ليس كما يعهده الناس من عقاب الدنيا الذي هو ضرب السوط وغايته أن يذوق الإنسان طعم الحديد وهو معنى قوله جرحا بالمدى جمع مدية وهي السكين بل هو شيء آخر عظيم لا يعبر النطق عن كنهه وشدة نكاله وألمه

فصل في الآثار الواردة في شديد عذاب جهنم

  قال الأوزاعي في مواعظه للمنصور

  روي لي عن رسول الله ÷ لو أن ثوبا من ثياب أهل النار علق بين السماء والأرض لأحرق أهل الأرض قاطبة فكيف بمن يتقمصه ولو أن ذنوبا من حميم جهنم صب على ماء الأرض كله لأجنه حتى لا يستطيع مخلوق شربه فكيف بمن يتجرعه ولو أن حلقة من سلاسل النار وضعت على جبل لذاب كما يذوب الرصاص فكيف بمن يسلك فيها ويرد فضلها على عاتقه وروى أبو هريرة عن النبي ÷ لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وأخرج إليهم رجل من النار فتنفس وأصابهم نفسه لأحرق المسجد ومن فيه