شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر بعض الآثار والأشعار الواردة في ذم الدنيا

صفحة 259 - الجزء 11

  قرأ تتلو بالتاء بنقطتين أي تقرأ كل نفس كتابها وضل عنهم ما كانوا يفترون بطل عنهم ما كانوا يدعونه ويكذبون فيه من القول بالشركاء وأنهم شفعاء

ذكر بعض الآثار والأشعار الواردة في ذم الدنيا

  ومن كلام بعض البلغاء في ذم الدنيا أما بعد فإن الدنيا قد عاتبت نفسها بما أبدت من تصرفها وإنبات عن مساوئها بما أظهرت عن مصارع أهلها ودلت على عوراتها بتغير حالاتها ونطقت ألسنة العبر فيها بزوالها وشهد اختلاف شئونها على فنائها ولم يبق لمرتاب فيها ريب ولا ناظر في عواقبها شك بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين وكشفوها أوضح تكشيف ثم اختلجتهم الأهواء عن منافع العلم ودلتهم الآمال بغرور فلججت بهم في غمرات العجز فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة ورتعوا في عراصها عارفين بالخدعة فكان يقينهم شكا وعلمهم جهلا لا بالعلم انتفعوا ولا بما عاينوا اعتبروا قلوبهم عالمة جاهلة وأبدانهم شاهدة غائبة حتى طرقتهم المنية فأعجلتهم عن الأمنية فبغتتهم القيامة وأورثتهم الندامة وكذلك الهوى حلت مذاقته وسمت عاقبته والأمل ينسى طويلا ويأخذ وشيكا فانتفع امرؤ بعلمه وجاهد هواه أن يضله وجانب أمله أن يغره وقوي يقينه على العمل ونفى عنه الشك بقطع الأمل فإن الهوى والأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه وإذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه فصريعهما لا ينهض سالما وخديعهما لا يزال نادما والقوي من قوي عليهما والحازم من احترس منهما ألبسنا الله وإياكم جنة السلامة ووقانا وإياكم سوء العذاب.