شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو

صفحة 109 - الجزء 17

  قال ويستفيضون إلى جواره أي ينتشرون في طلب حاجاتهم ومآربهم ساكنين إلى جواره فإلى هاهنا متعلقة بمحذوف مقدر كقوله تعالى {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ}⁣[النمل: ١٢] أي مرسلا قال فلا إدغال أي لا إفساد والدغل الفساد ولا مدالسة أي لا خديعة يقال فلان لا يوالس ولا يدالس أي لا يخادع ولا يخون وأصل الدلس الظلمة والتدليس في البيع كتمان عيب السلعة عن المشتري.

  ثم نهاه عن أن يعقد عقدا يمكن فيه التأويلات والعلل وطلب المخارج ونهاه إذا عقد العقد بينه وبين العدو أن ينقضه معولا على تأويل خفي أو فحوى قول أو يقول إنما عنيت كذا ولم أعن ظاهر اللفظة فإن العقود إنما تعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح والعرف لا على ما في الباطن.

  وروي انفساحه بالحاء المهملة أي سعته

فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو

  قد جاء في الحذر من كيد العدو والنهي عن التفريط في الرأي السكون إلى ظاهر السلم أشياء كثيرة وكذا في النهي عن الغدر والنهي عن طلب تأويلات العهود وفسخها بغير الحق.

  فرط عبد الله بن طاهر في أيام أبيه في أمر أشرف فيه على العطب ونجا بعد لأي فكتب إليه أبوه أتاني يا بني من خبر تفريطك ما كان أكبر عندي من نعيك لو ورد لأني لم أرج قط ألا تموت وقد كنت أرجو ألا تفتضح بترك الحزم والتيقظ.

  وروى ابن الكلبي أن قيس بن زهير لما قتل حذيفة بن بدر ومن معه بجفر الهباءة