الأجوبة الرافعة للإشكال والفاتحة للأقفال
  وأما ما ذكره أيده الله مكرراً من أن الأفعال محتملة، والأقوال غير محتملة:
  فإن ذلك لا يصح على الإطلاق؛ لأن احتمال القول قد يكون أكثر من احتمال الفعل؛ ولهذا جوزنا بيان المجمل بالفعل، كما جوزناه بالقول، وجعلناه أبلغ في باب البيان من القول، ألا ترى أن كتابة المعلم للمتعلم إماماً يحتذيه في الخط أبلغ من قوله: خذ القلم وجز إلى موضع كذا وكذا وافعل كذا، فإن بيان الفعل أجلى وأوضح، ولا بد من أمر يوجب الرجوع إلى الفعل من القول، فهذا أكثر ما فيه، فإذا حصل كان البيان بالفعل أرفع للإشكال، ألا ترى أن أمير المؤمنين كان إذا سئل عن شيء من الأحكام الشرعية كالوضوء وغيره بَيَّنه بالفعل، حتى دعا بالماء وتوضأ إلى غير ذلك.
  فإن قيل: وهل بين وجوب اتباعهم {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ١٩٣}؟.
  قلنا: نعم، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠]، فأوجب الاهتداء بهدي من اهتدى، وقال سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}[يونس: ٣٥]، فهذا أمر في ضمنه وعيد كامن يعرفه الموسمون، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ٢١}[الطور: ٢١]، والإيمان قول وعمل واعتقاد، والاتباع هو الاقتداء، فكيف ينبغي أن يجعل الإشكال في الفعل دون القول.
  ومع ذلك فإنه قد أمكننا حمل كل واحد من الأمرين على وجه صحيح، وهو أن أقوالهم في الكتب على التمكن والاستيلاء، وجريان الأحكام على التخصيص، وقولنا وفعلنا وقول من سبقنا منهم يحمل أمرنا على حال الحروب، واختلاط الأمور، وتعاظم خطب التكليف في الحرب، فيكون لكل واحد وجه يصرف إليه ولا يتنافى، وأنت إذا