الأجوبة الرافعة للإشكال والفاتحة للأقفال
  تأملت ذلك وجدته على ما قلنا؛ إذ الحسُّ والنظر الثاقب لا يقوم غيره مقامه، ولو حفظ كل فتوى حادثة قد وقعت في الدنيا ما استغني عن الحس القوي والفكر السوي، لجواز أن تحدث حادثة تفتقر إلى نظر جديد، ورأي سديد؛ ولهذا كان أهل العلم ممن تقدم يقول قائلهم: هذا رأيي، فلا ينكر عليه أحد من أهل العلم ممن يوافقه أو يخالفه.
  وأما وقوع البيان بالفعل: فقد رأيت الكلام فيه؛ ولهذا رجع الصحابة في البيان إلى أفعاله رجوعهم إلى أقواله #، كما فعلوا في حديث الإيلاج وغيره؛ ولهذا أحالنا ÷ على فعله كما أحالنا على قوله، فقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فكان إذا التبس عليهم معنى القول بينه بالفعل؛ ولهذا صلى جبريل # بالنبي # ليبين له بالفعل ما لم يكن لينكشف بالقول، وقال ÷: «خذوا عني مناسككم»، وعمدةُ المسلمين في كثير من الأحكام - لو أردنا تعدادها لخرجنا إلى الإسهاب - مشاهدتُهم لرسول الله ÷ يفعل ذلك، كالسعي والطواف وأحكام الحج، حتى قال عمر في الحَجَر: أما إنك حجر لا يضر ولا ينفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه يقبلك ما قبلتك، فأحال على فعل النبي ÷، وقلب رداءه في الاستسقاء.
  وأي احتمال في وصوله إلى مدينة أو درب ثم يضربه أو يهدمه من قواعده عموماً إلا لاستئصال شأفة المفسدين، وهذا أقوى غرض، وأولى ما حمل عليه الفعل أو غيره، اللهم إلا أن يقع النزاع في أن ذلك لم يفعل أصلاً فيلزمنا البيان.
  فأما ما في الكتب فهو ماض في نهجه مستمر في باب أن ذلك الحكم عند التمكن من الفعل لا وجه له عندنا إلا ذلك.