كتاب تحفة الإخوان
  ضرر، فأما العرب ومن يعتد بالثناء والذكر الجميل من الأمم فقد استحسنوا الإيثار على النفس، وإن لحقهم لذلك من الضرر المنتهي إلى تلف النفس والأولاد، وذهاب الطارف والتلاد، وقد ورد الشرع الشريف بقريب من ذلك، وبمثل ذلك على بعض الوجوه، فقال تعالى في مديحه من فعل ذلك: والمؤثرون {عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}[الحشر: ٩]، فمدحهم تعالى بذلك وأثنى عليهم لأجله، وهذا فيما نحن فيه؛ لأن الإيثار ليس هو بأكثر من أن تنفع صاحبك بمضرة نفسك وأهلك، وقصة الآية في رجل من الأنصار آثر على نفسه وأهله، وهي أيضاً عامة في الأنصار في إيثارهم المهاجرين بديار بني النضير وما والاها، فما حال من ينفع أخاه بما لا يضره لا في الحال ولا في المآل، بل بما وعد عليه بثواب، لا تساويه رغائب الأموال، ونجاة من عظائم الأهوال.
  وقد روينا أيضاً مثل ذلك عن معاذ بن جبل أنه سأل رسول الله ÷ عن أفضل الإيمان فقال: «أن تحب لله وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله تعالى»، قال: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: «تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك»(١).
  ولا شك أنا نحب لأنفسنا أن ينفعنا إخواننا المسلمون، ولا يعتزلونا بل يخلطونا بأنفسهم، ولا سيما فيما يتعلق بأمر الدين؛ لأن الاهتمام به أشد وكل منا يعلم ذلك من نفسه على سبيل الجملة ضرورة عند الحاجة.
(١) أمالي أبي طالب، الباب الخامس والثلاثين، الترغيب في الحب في الله.