كتاب دعوة إسماعيل
  واعلم أن الخمر جماع الإثم، وكانت تسمى الإثم في الجاهلية، فلو لم تحرم لكان تركها أولى، لأنها تذهب العقل حتى يتواضع للخسيس، ويستخف بالعظيم، ويغفل عن ذكر الله، وربما كانت سبب الهلاك، فكم لها من قتيل في الدنيا، وهي سبب عذاب الآخرة.
  في الحديث عن النبي ÷: «من شربها في الدنيا كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال»، قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة جلود أهل النار»، وأنت تعلم أنك تعاف الذباب، في الطعام والشراب، وأنت تؤمن بالمعاد والمآب، ولست كجفاة الأعراب، الذين لا يعرفون ربّاً، ولا يدينون ديناً، ولا يعقلون دليلاً، ولا يهتدون سبيلاً.
  فانظر لنفسك، قبل حلول رمسك، فإن الدنيا زائلة فانية، والآخرة واصلة باقية، واعمل في دار البوار لدار القرار، واعلم أنه ما منعني من الكتاب إليك في بدئ الأمر إلا خيفة سطوتك فيمن يصل إليك بكتابي؛ لأني لو أمرت صغيراً أو كبيراً من أصحابي لم يتأخر وإن علم الموت عياناً، فخفت أن يقع أمر فأقع في الإثم، وأمارة الخوف أنك ملك شاب مترف غني قادر تشرب الخمر، ولكل واحدة مما عددت سكر يزيد على سكر الخمر، فإذا اجتمعن كان صاحبهن أخطر من لجة البحر عند غلبة الرياح، وإلا فقد علمت أني قد قدرت على أصحابك مرة بعد أخرى، وما نجى أحد منهم من القتل بقدرته وحيلته، فمن زعم ذلك فقد مان، بل طلبت لهم الرفاق بعد أن روجعت في أمرهم فسددت فيهم وحفظتهم حتى وصلوا إليك سالمين، لم يكلم أحد منهم كلماً، فما هو إلا وصولهم ثم قلبوا ظهر المجن، وأسعروا نيران الفتن، ومن قدرت عليه منهم كافأته على إساءته بالإحسان، هذا عدلان همَّ فيّ بما لم ينل