الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في انتفاء المعارض واشتراط الإطراد في العلة]

صفحة 396 - الجزء 2

  ذكرنا اندفاعاً لما توجه الغرم في قيمة الولد للسيد فلا جرم أنه لما استقر حصل ما دفعه من علة الحريَّة، فكهذا كان دفعه في معنى قطعه.

  (وقد يكون) تخلف الحكم عن العلة في صورة النقض (لفقد الأهلية) للحكم في المحل الذي وجدت فيه العلة المقتضية له (كقطع الصبي) إذا سرق نصاباً من حرزٍ، فإنه تخلف مع وجدان العلة المقتضية وهي السرقة للنصاب من الحرز؛ لأن الصبي ليس بأهلٍ للقطع.

  (أو) يكون تخلف الحكم عن العلة في صورة النقض لأجل (فقد محل العلة) وإن وجدت العلة؛ إذ وجودها مع عدم المحل كلا وجود، وذلك (كبيع الميتة) فإن العلة في الملك وهي الإيجاب والقبول موجودة في بيعها، ولكن محلها ما يصح تملكه، وهذا غير واقع في الميتة، فلم تقتضي هذه العلة الحكم لذلك.

  (أو) يكون تخلف الحكم لأجل (فقد شرطها) المترتب تأثيرها في الحكم عليه، وذلك (كسرقة نصاب من غير حرز) فإن العلة المقتضية للقطع وهي سرقة النصاب موجودة ولكن شرطها وهو الحرز مفقود فيكون وجودها كلا وجود، فلا جرم أن حكمها تخلف عنها.

  قال الإمام في القسطاس بعد ذكر فقد المحل والشرط: فهذا نوع من التخصيص جاز في هذه الحالة وهو مخالف لما ذكرناه في الحالة الأولى وهو أقرب إلى منهاج التخصيص.

  وبيانه: أن العلة هاهنا قد جرت ولكن عرض لها نقصان بالإضافة إلى شرطها ومحلها ولا شك أن شرط العلة ومحلها مخالف لما في الحقيقة لنفسها وذاتها، فلهذا كان ما ذكرناه وجهاً في انعدام الحكم مع وجود العلة يخالف الأول، وإنما كانت الحالة الأولى أبعد عن التخصيص؛ لأن الحكم فيها قد جرى، ولكنه اندفع بعارض، والاندفاع في معنى الانقطاع وهو إذا كان منقطعاً حقيقة لم يكن معدوداً من التخصيص.

  قال: وفقد المحل والشرط والأولى مشتركان في عدم الحكم مع وجود العلة لكنه اندفع عدمه في الأولى بعد وجوده تقديراً، ولكنه اندفع لمعارض ولم يكن هذا تخصيصاً بخلاف هذين فإن عدم الحكم فيهما من غير تقدير وجود له وعدمِه إنما كان من أجل نقصان العلة بتخلف شرطها ومحلها، وليس يخفى على الفطن ما يلقى إليه من هذه الأسرار الموجبة لوقوع التفرقة بينهما.