الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في انتفاء المعارض واشتراط الإطراد في العلة]

صفحة 398 - الجزء 2

  إمَّا (بمنع وجود العلة في صورة النقض) ومثاله: تعليل أبي حنيفة لوجوب المضمضة في الجنابة بأن نقول: إنه عضو يجب غسله من النجاسة، فوجب غسله في الجنابة كسائر الأعضاء، فإذا قال الشافعي: هذا منقوض بالعين فإنه يجب غسلها من النجاسة، ولا يجب غسلها من الجنابة، فإن للحنفي أن يقول: هذه ممنوعة عندي فإن من مذهبي عدم وجوب غسل العين من النجاسة، فلا يلزمني هذا النقض لعدم العلة.

  قال الإمام: وإذا منع السؤال وجود العلة فهل يترك المعترض والدلالة على ما ادعاه من وجود صورة العلة أو لا يترك واللائق بمصلحة الجدال أن لا يمكن من ذلك؛ لأن ذلك يكون خروجاً عن غرض المسألة التي وقع النزاع فيها وإبطالاً لها، ونظراً آخر في مسألة أخرى منحرفة عن المقصود، وفي ذلك إذهابهما يميناً وشمالاً، فلا يفرغان من مسألة واحدة لانتشار الكلام وذهاب في الطول والعرض وهو فاسد.

  (أو فقد قيد من قيودها المعتبرة) في علية الوصف كقول الشافعي في حق من لم يبيت النية: تعرى أول صومه عنها فلا يصح، فيجعل عراء أول الصوم عن النية علة لبطلانه.

  فيقول الحنفي: هذا ينتقض بصوم التطوع فإنه يصح بدون التبييت.

  فيجيبه الشافعي: بأن العلة في البطلان هو أنه عري أول الصوم يفيد كونه واجباً لا مطلق الصوم، وهذا القيد مفقود في التطوع، فلم توجد العلة فيه.

  ثُمَّ إذا منع المعلل وجود العلة في صورة النقض لعدم القيد كما فرضنا، فهل للمعترض أن يقيم الدليل على وجود الوصف بتمامه في صورة النقض؟:

  فيه مذاهب حكاها ابن الحاجب من غير ترجيح:

  أحدها: وبه جزم الرازي والبيضاوي أنه ليس له ذلك؛ لأنه نقل من مرتبة المنع إلى مرتبة الاستدلال، وعلل الرازي بأنه نقل من مسالة إلى مسألة - يعني أن الانتقال إلى وجود العلة في صورة النقض انتقال إلى مسألة أخرى غير التي كانا فيها.

  الثاني: له ذلك مطلقاً، لأن النقض مركب من مقدمتين أحدهما: إثبات العلة، والثانية: تخلف الحكم، وإثبات مقدمة من مقدمَات المطلوب ليس نقلاً من بحثٍ إلى آخر.