الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  الثالث: وهو رأي الآمدي أنه إن تعين ذلك طريقاً للمعترض في دفع كلام المستدل وجب قبوله، وإن أمكنه القطع بطريق آخر هو أفضى إلى المقصود فلا.
  (أو ادعى ثبوت الحكم) في تلك الصورة التي نقض بها المعترض، وثبوته قد يكون تحقيقاً، وقد يكون تقديراً:
  فالتحقيقي: مثل أن يقول الشافعي: السلم عقد معاوضة فلا يشترط فيها التأجيل قياساً على البيع.
  فينقضه الحنفي بالإجارة، فإنها عقد معاوضَة مع أن التأجيل يشترط فيها.
  فيقول الشافعي: ليس الأجل شرطاً لصحة عقد الإجارة أيضاً، بل التأجيل الذي فيها إنما هو لاستقرار المعقود عليه وهو الانتفاع بالعين؛ إذ لا يتصور استقرار المنفعة المعدومة في الحال، ولا يلزم من كون الشيء شرطاً في الاستقرار أن يكون شرطاً في الصحَّة.
  ومثال التقديري: أن يقول المستدل: رق الأم علة لرق الولد، فينقضه المعترض بولد المغرور بحرية الجارية، فإن رق الأم موجود مع انتفاء رق الولد، فيقول: المعلل رق الولد موجود تقديراً؛ لأنَّا لو لم نقدر رقَّة لم نوجب قيمته؛ لأن القيمة للرقيق لا للحر.
  والأول: وهو التحقيقي، يدفع النقض إن كان ثبوت الحكم فيه مذهباً للمعلل سواء كان مذهباً للمعترض أو لا، كما قال الرازي، وفي تمكين المعترض من الاستدلال على عدمه الأقوال التي تقدمت كما قاله ابن الحاجب وغيره.
  وأمَّا الثاني: وهو التقديري، فتوقف فيه الرازي ومختصروا كلامه، وجزم البيضاوي بأنه يدفع ولم يتعرض له الآمدي ولا ابن الحاجب.
  (أو إظهار مانع من ثبوته) ومثاله أن يقول الشافعي: القتل العمد العدوان علة في وجوب القصاص وحينئذ فيجب في المثقل، فينقضه الحنفي بقتل الوالد ولده، فيقول الشافعي: إنما لم نوجبه على الوالد لوجود المانع وهو كون الوالد سبباً لوجود الولد فلا يكون الولد سبباً في عدمه.
  (والفرق بين العلة المخصصة و) بين العلة (القاصرة، واضح) وهو أن العلة المخصصة تتعدى إلى غير محل النص، وإنما تخلف حكمها عنها في بعض المواضع بخلاف القاصرة، فإنها لا تتعدى محل النص كما تقدم والله أعلم.