الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 403 - الجزء 2

  قال الرازي: ولأن الصحابة أجمعوا على قبول الفرق؛ لأن عمر لما شاور عبد الرحمن بن عوف في قصة المجهضة، قال: إنك مؤدب ولا أرى عليك شيئاً.

  فقال علي #: إن لم يجتهد فقد غشك، وإن اجتهد فقد أخطأ، أرى عليك الغرة.

  وجه الاستدلال به: أن عبد الرحمن شبهه بالتأديب المباح، وأمير المؤمنين فرق بينه وبين التأديب بأن التأديب الذي يكون من جنس التعزير لا تجوز فيه المبالغة المنتهية إلى حد الإتلاف، وذلك يدل على إجماعهم على قبول الفرق، وهو يقدح في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين.

  المجيزون له مطلقاً استدلوا: بكلامنا في المنصوصتين، وفي المستنبطتين بأنه لا مانع من أن يحصل الظن بكون هذا الوصف علة في الحكم، ويحصل الظن بكون الوصف الآخر علة فيه بمعنى أن كل واحد من الوصفين كاف في حصول الحكم عند المجتهد.

  قلنا: لا نسلم انتفاء المانع إذ ذلك حاصل كما بيناه.

  المانع قال: لو جاز تعدد العلل لكان كل واحد منها مستقلة بالغرض غير مستقلة؛ لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم بها، وقد قلنا: لا يثبت بها، بل بغيرها، وأيضاً فلنفرض التعدد في محل واحد في زمان واحد بأن يتلمس ولمس معاً فيلزم التناقض إذا ثبت الحكم بكل دون الآخر فيثبت لهما ولا يثبت لهما.

  قلنا: لا نسلم لزوم الأمرين، فإن معنى استقلالها ليس ثبوت الحكم لها في الواقع، بل إنها إذا وجدت منفردة ثبت الحكم بها، وذلك لا ينافي ثبوت الحكم بغيرها إذا لم توجد، أو لها أو لغيرها إذا وجدت غير منفردة، وبذلك يندفع لزوم عدم استقلالها وهو ظاهر، وكذا لزوم التناقض عند الاجتماع، فإن انتفاء الاستقلال عند الاجتماع لا ينافي الاستقلال على تقدير الانفراد، وثبوت الاستقلال على تقدير الانفراد أمر ثابت عند الاجتماع، وتسميته بالاستقلال مجاز بمعنى أنها بحيث لو انفردت لكانت مستقلة، وهذا وإن خالفه ما نقول من أن كل واحد منهما علة مستقلة إلا أن مثل ذلك لا يبعد في مقام الجواب.

  الجويني قال: إمكان تعليل الحكم الواحد بعلتين من طريق العقل في غاية الظهور، لكنه ممتنع شرعاً، وإلاَّ لوقع ولو على سبيل الندور، فإذا لم يتفق وقوع هذا في مسألة ولا يتشوف إلى طلبه