الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  قلنا: ما ذكر من اجتماع المثلين إنما يلزم في تعدد العلل العقلية المفيدة للوجوب، دون الشرعية المفيدة للعلم بالشيء، وثبوته بالجميع بمعنى ثبوته لكل واحدٍ واحد بالاستقلال، كما ثبت المدلول بالأدلة السمعية والعقلية، وكل مستقلٍ ثابتاً به حتَّى لو انتفى الآخر لم يضر عدمه، والفرق بين الثبوت بالجميع بالمعنى الذي ذكرنا وبين الثبوت بالمجموع بالمعنى الذي ادعيتم ظاهر، لأن ما ذكرنا عائد إلى الكل الأفرادي وما ذكرتم إلى الكل المجموعي.
  القائل بأن العلة أحدهما لا بعينه قال: لما امتنع استقلال كل بناء على امتناع اجتماع المثلين فالعلة إمَّا المجموع فيبطل الاستقلال أو واحدٍ بعينه فيلزم التحكم أو واحد لا بعينه وهو المطلوب.
  قلنا: بل يستقل كل واحد منهما لما ذكرنا من الأدلة.
  (وأمَّا العلل العقلية فيمتنع اشتراكها في إيجاب حكم واحد) للزوم المحال من وقوعه؛ لأن العالمية الواحدة يستحيل إضافتها إلى علمين والقادرية الواحدة إلى قدرتين، فيستحيل اجتماع العلتين على حكم واحد؛ ولأن الشيء باستناده إلى كل واحد من علتين موجبتين يستغني عن الأخرى، فيلزم أن يكون مستغنياً عن كل منهما وغير مستغنٍ عنه، وفي ذلك جمع بين نقيضين، وأنه محال، فيلزم من هذا أيضاً تحصيل الحاصل في التعاقب حيث يوجد بالثانية مثلاً نفس الموجود بالأولى، والكل محال، فكذلك ما أدى إليه(١).
(١) وعلل امتناع ذلك الإمام المهدي في الدامغ بأنه إذا لم يكن لكل واحدة تأثير في الحكم بل لمجموعهما، فإما أن يكون التأثير لاجتماعهما وهو باطل، لأنه أمر اعتباري ليس بذات، ولا مزية ثبوتية، وما لم يكن كذلك لم يكن له تأثير أصلاً، وإما أن يكون نفس العلتين، فإما أن تؤثر كل واحدة في الحكم كانت الثانية ضائعة، أو كل في بعضه أدى إلى تنصيفه وانقسامه، وذلك محال.
وأجاز ذلك أبو القاسم قياساً على الشرعية، لأنه لا يجعل العقلية موجبة، وإنما يجعلها باعثة أو أمارة أو نحوهما، لأنه ينفي المعاني والأحوال، ألا ترى أنه يصف الواحد منا بقدرته على اللون، لما كان السواد يظهر بخلطه الزاج بالعفص، ومثالها عنده خلط العفص بالزاج والماء فيتولد السواد عن أمرين عقليين، وهما اجتماع أعيان متعددة.
لا يقال: المؤثر الإجتماع، لأنا نقول: يلزم أن يسود كل مجتمع، وتمام تحقيق ذلك في اللطيف.
نعم وذكر المهدي أيضاً في باب الاعتقاد: أنه يصح أن يعلم الشيء الواحد بعلمين فصاعداً مكتسبين أو ضروريين، إذ لا مانع من وجود المتماثلات في محل واحد، وتعلقها بمتعلق واحد، وقد حكي عن أبي علي أنه =