الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المشترك]

صفحة 109 - الجزء 1

  وكذلك قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ}⁣[الحج: ١٨]، فقد أراد بالسجود هاهنا الخشوع؛ لأنه المتصور من الدواب، وأراد به أيضاً وضع الجبهة على الأرض؛ لأن تخصيص كثير من الناس بالسجود دون من عداهم ممن حق عليه العذاب مع استوائهم في السجود بمعنى الخشوع، يدل على أن الذي خصوا به من السجود هو وضع الجبهة على الأرض، فقد صار المعنيان مرادين.

  واعترض: بأن السجود من الجميع واحد وهو غاية الخضوع، أو أنه بتقدير ويسجد له كثير من الناس.

  ورد: بأنه احتمال تقييد فلا يدفع الظهور.

  احتج أبو هاشم: بأن الدليل القاطع قائم على امتناع ذلك؛ لأن المتكلم إذا أراد بها معنى انصرف عن إرادة الآخر، كما أنه لا يريد القيام والقعود في حال واحدة، ولا لون المحل أسود وأبيض في حالٍ واحدٍ.

  قلنا: لا مانع من إرادتهما معاً؛ إذ يعلم أحدنا صحة قول الغير تجنب نكاح المرأة التي نكحها أبوك، وتريد العقد والوطء، إذ إرادتهما ليست إرادة ضد فيستحيل ذلك، إذ لا يمتنع في المقدور إلا لو كان كذلك، والمراد إرادة حدوثهما في وقتٍ واحدٍ، وامتناع إرادتهما ليست لاستحالة ذلك، بل لأن العلم باستحالة حدوثهما كذلك صارف عن إرادتهما جميعاً، فلو لم يعلم إستحالة اجتماعهما لصح منه إرادتهما.

  احتج الإمام ومن معه: بأنه لو استعمل في كل من معنييه مثلاً، والتقدير أن معناه هذا وحده وهذا وحده، لزم أن يكون كل منهما وحده، وإلا لم يكن معناه وليس وحده وإلا لم يكن الاستعمال في كل من المعنيين.

  قلنا: المراد استعماله في كل من الآخرين الذين وضع اللفظ لهما، سواء كان مع قيد الإنفراد أو بدونه.

  قال سعد الدين: وحاصل الإستدلال أنه إذا استعمل في المجموع لم يكن ذلك استعمالاً في معنييه لانتفاء قيد الانفراد المعتبر في كل منهما حتَّى يكون معناه، وهذا نزاع لا يتعلق به غرض أصولي، لوقوع الاتفاق حينئذ على أنه يصح أن يذكر المولى - مثلاً - ويراد به المعتِق والمعتَق ويتفرع عليه الأحكام، وإن لم يسم ذلك استعمالاً في كل معنيي المولى، على أن المعنى الموضوع له المستعمل فيه اللفظ هو كل من المعنيين، لا بشرط أن يكون وحده، ولا بشترط أن يكون لا وحده على ما هو شأن الماهية، لا بشرط شيء وهو متحقق في حال الانفراد عن الآخر